* بقلم محمد الماطــري صميـــدة
سمعت القصة على لسان إحدى الزميلات... فأربكت مشاعري! ولقد جاءتني زميلتي الى مكتبي... وطفقت
تحكي لي عن أطوار مأساة جدت منذ أشهر قليلة فارطة!! وليس عمق المأساة الذي هزني وأربك
مشاعري فحسب... بل هذا المغزى الخيّر الذي اصطفاه إنسان على هامش هذا البركان! بركان مأساة
عائلة أقوى من الحياة!! وإذ أشكر الزميلة على هذه القصة، فلقد قلت لهامعلقا عليها «ملاّ قصة»!! طبعا
حزينا ومتألما وكسير القلب ولا أدري ماذا؟!
تقول محدثتي زميلتي: هي قصة عائلة بسيطة كانت تعيش في أمن وراحة بال وكانت تتكون من أب كان
يعمل بأحد مصانع الجهة ومن أمّ ومن ثلاث بنات صغيرات، كبيرتهن تبلغ خمس عشرة سنة أو نحو ذلك!!
ولئن كان كل شيء عاديا في حياة تلك العائلة البسيطة كانت الأحلام بسيطة والحياة بسيطة والعيش
بسيطا والبيت بسيطا وأثاثه عاديا وبسيطا!!
لقد كان الأب يعمل ويكدح... و «يشفق ما يلحق» كما يقال!! ولقد كان كل أمله أن يعود الى بيته في آخر
النهار محملا بالطعام ! ولقد كانت القناعة تسيطر على كل أفراد العائلة رغم الرغبات المدفونة في القلوب!
ولقد كان أكثر ما يثقل كاهل ذلك الأب أنه عمل سنوات طويلة ولم يرسم في عمله!! ولقد كان هذا الأمر
يتعبه ويشقيه أكثر من شقائه في عمله!
ولقد صدق حدسه حين أطرد من عمله، وخرج بيديه فارغتين وخالي الوفاض بعد سنوات عديدة من العمل!!
ولقد أثر فيه هذا الخروج من عمله، وأزّمه نفسيا ولقد حاول أن يخرج من أزمته الحادة ولكنه لم يفلح في
ذلك، بل لقد أصبح يهذي ودخل في حالة هستيرية بعد أن يئس من العثور على عمل، يضمن له ولأفراد
عائلته العيش الكريم!
وتفاقم الأمر الى حد أشعل فيه النار في جسمه ومات مأسوفا عليه، وقد ترك أفراد عائلته في رعاية
الرحمان!
ولقد شعرت أرملته بعد وفاته بالوحدة، ولكنها غالبت حزنها بالعمل في المنازل حتى تعيل صغيراتها الثلاث،
زهرات حياتها، ولقد كابدت الظروف الصعبة بقلب المرأة العطوف الحنون التي تؤمن بأن الحياة محطات
متواصلة من الشقاء والتعب، ولم تهادن ولم ترضخ، ولم تتراجع، كانت تعمل في عمق ومحبة وإيثار وكانت
تتمنى أن يأتي اليوم الذي تكبر فيه بناتها وينجحن في دراستهن ويعوضن صبرها على المكاره خيرا عميقا!
وهذا ما كانت ترجوه وتتمناه ولم ترجُ ولم تتمنّ غيره!!
وذات ليلة كانت في طريقها لقضاء شأن أو في زيارة لإحدى معارفها أو جاراتها أو لست أدري ماذا، وكانت
تصحبها في سيرها بناتها الثلاث... وكانت الطريق مظلمة أو شبه مظلمة!
قلت ـ تضيف محدثتي مستدركة ـ كانت تسير وتتحدث الى بناتها... وربما كانت تحلم وتتمنى وترجو.. وفجأة
انسلت من وسط الظلام سيارة مجنونة كانت تسير بسرعة رهيبة وكانت بلا أضواء... وبلا أرقام ويقودها
سائق متهور... وقد يكون مخمورا، نعم فجأة ظهرت تلك السيارة المجنونة وصدمت الأم المسكينة والابنة
الكبرى... وأردتهما قتيلتين على قارعة الطريق!! أما الصغيرتان فقد نجتا من هذا الحادث الفظيع وبأعجوبة...
ولحكمة لا يعلمها إلا الله.. ولقد كان الموقف أليما والمشهد فوق طاقة التصور والتحمّل!!
ولم يعثر بعد ذلك على أثر لذلك المجرم الذي اغتال حياة بريئتين هما الأم والبنت الكبرى، ويتّم صغيرتين لم
يعد لهما سند في الحياة سوى الله!
ولقد سمع الجيران بذلك الحادث الأليم وبتلك المأساة المحزنة، ولقد كان الصمت يخيّم على الجميع في
البداية، ثم تحدث بعضهم وإذا هم بين ناصح بضرورة إيواء البنتين الصغيرتين في مأوى لليتامى والمساكين،
وبين داع الى ضرورة تولي بعض أهاليهما التكفل بهما، ولكن بعض الأقرباء تعلّل بالرفض بدعوى الفقر وقلّة
ذات اليد والحاجة!! وهذا ما عمّق المأساة وأبكى البنتين الصغيرتين!! وكان المشهد فظيعا ومؤلما فظاعة
وإيلام موت الأم والبنت!!
وهنا سمع أحد الجيران الخيّرين بالأمر، وقد كان موظفا بسيطا، ومع ذلك أبى إلاّ أن يكفل اليتيمتين صادقا
ومحبا وعطوفا ولقد كان يدفعه الى ذلك قول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام «أنا وكافل اليتيم في
الجنة».
ولقد شعر بعد ذلك بالضياء والنور والسعادة تغمر كيانه، وشعر بأنه مسؤول أمام الله وأمام الناس عن هذه
الأمانة الجسيمة، وقرر أن يعدل في المعاملة بين هذين الفتاتين، الصغيرتين اليتيمتين وبين طفلتيه الصغيرتين
اللتين كانتا في عمر تينك الزهرتين!! ولقد كانت زوجته أيضا مثله في فعل الخير، وكانت حريصة أيضا على
معاملة الطفلتين بنفس الحنو والحنان اللذين كانت تعامل بهما وحيدتيها! والذي حدث بعد ذلك وسريعا من
ذلك الانسان الجدير بلقب إنسان يملك في قلبه العطف والحنان أن قام بتغيير «ديكور» بيته على نحو أفرد
للبنتين غرفة خاصة بهما وأثثها بنفس نوع الأثاث الذي أثث به غرفة ابنتيه... واشترى لهما نفس الملابس
ونفس اللعب وغمرهما بنفس العطف والحب.
وهنا صمتت محدثتي... بالغت في الصمت ولقد كان صمتها أثيرا ومؤثرا ثم قالت لي «ما تعليقك يا مطران
عما سمعته الآن»؟ ولقد هتفت برغمي... وكأني أتحدث الى ذلك الإنسان وأقول له بكل ما في قلبي
وكياني ومشاعري من إكبار واحترام وحنين «طوبى لك يا كافل اليتيمتين»!! قلت هذا ولم أقل غيره وأنا دامع
العينين!!
الأربعاء يونيو 03, 2009 4:35 pm من طرف RanimTounsi
» الخشوع فى الصلاة
الأربعاء يونيو 03, 2009 11:35 am من طرف RanimTounsi
» طرا ئف الشارع التونسي
الأربعاء يونيو 03, 2009 10:39 am من طرف RanimTounsi
» نصيحة اليوم 03/06/2009
الأربعاء يونيو 03, 2009 10:26 am من طرف RanimTounsi
» ازياء
الثلاثاء يونيو 02, 2009 11:10 pm من طرف miss sa7liya
» الغيبة
الثلاثاء يونيو 02, 2009 5:24 pm من طرف RanimTounsi
» تذكر قبل أن تعصي:
الثلاثاء يونيو 02, 2009 5:18 pm من طرف RanimTounsi
» اذا سالت فاسال الله
الثلاثاء يونيو 02, 2009 5:09 pm من طرف RanimTounsi
» Des robes pour vous les femmes
الثلاثاء يونيو 02, 2009 5:02 pm من طرف miss sa7liya